يمكنك التنقل عبر جميع المواضيع أسفل الصفحة في الجانب الأيمن

في قصر عابدين اسرار تروي قصص التاريخ واسراره






نشرته في جريدة أهالينا

شيد قصر عابدين في عهد الخديوي إسماعيل بعد توليه الحكم في مصر

عام ‏‏1836 ويرجع اسم القصر إلى (عابدين بك) أحد القادة العسكريين في عهد محمد علي ‏باشا وكان يمتلك قصراً صغيراً في مكان القصر الحالي، وقد شيده على مجموعة من البرك التي كانت منتشرة في تلك المنطقة بعد ردمها، فاشتراه إسماعيل ‏وهدمه وضم إليه أراضي واسعة ثم بدء في تشييد القصر، و‏يعد البداية الأولى لظهور القاهرة الحديثة، ففي نفس الوقت الذي كان يجرى فيه بناء ‏القصر أمر الخديوي إسماعيل بتخطيط القاهرة على النمط الأوروبي من ميادين ‏وشوارع وقصور ومباني وجسور على النيل وحدائق غنية بالنخيل وأنواع الأشجار ‏‏والنباتات النادرة.

صمم القصر المهندس الفرنسي "دي كوريل روسو" بدأ البناء فيه عام 1863 واستغرق بناؤه عشر سنوات، وتم افتتاحه عام 1874

من الباب الرئيسي للقصر، ندرك أننا في الطريق إلى عالم يشبه حكايات ألف ليلة وليلة، ليتأكد حدسنا بالجماليات المتناغمة التي تنطلق من الأسقف والجدران والارضيات وصولاً إلى قطع الأثاث والطرابيزات والخزائن والتحف الفنية والستائر والمفروشات، اضافة إلى الأعمدة المحفورة بالنقوش المذهبة التي تتناغم مع الحفر المذهب على قطع الأثاث، وأطر اللوحات والمرايا التي تزين الجدران، كما تحمل تيجان الستائر النقوش المذهبة نفسها، سخاء شديد من الزخارف والنقوش والخامات الثرية والتفاصيل التي لم تكن زاخرة فقط بالمكونات والتحف، بل أيضاً مميزة بالذوق الرفيع والعمل الحرفي البديع، وحتى الألوان التي تتراوح بين الغنية جداً والهادئة جداً، يضاعف من تألقها حسن التنسيق والمزج والتداخل الباهر، ضم القصر عند انشائه 500 غرفة وقاعة بخلاف ممرات ارضياتها من الرخام الملون المنقوش بالمرمر، أما الابواب والنوافذ فصنعت من الزجاج الملون الذي رسمت عليه لوحات ملونة لأشجار وبحار وملائكة وطيور، واحتوت الاسقف على نقوش فنية دقيقة هندسية بارزة ومذهبة، تحتوي على زخارف عربية واسلامية وايطالية، أما السلالم فتتسم بالفخامة وتم فرشها بالسجاد الاحمر .

يحتوي الدور الاول على صالونين، يؤدي احدهما إلى صالون قناة السويس الذي انشئ ليتم الاحتفال به بافتتاح قناة السويس، ولكن لم يتم الاحتفال فيه، وهذا الصالون يؤدي إلى الشرفة المؤدية إلى ميدان عابدين.

وهناك قاعة محمد علي التي تعتبر من أكبر قاعات القصر وأفخمها وامامها مسرح يعد قمة وتحفة فنية، حيث يضم المسرح مئات الكراسي المذهبة وفيه أماكن ‏‏معزولة بالستائر خاصة بالسيدات، ويستخدم الآن في عرض العروض المسرحية الخاصة ‏للزوار والضيوف، ويوضع على باب المسرح حالياً مجموعة آلات موسيقية.

وفيه أيضاً القاعة البيزنطية التي تعج بمفردات زخرفية غنية بالجماليات مشبعة بالألوان والتفاصيل مصاغة بطراز بيزنطي قريب من الشرقي بهدف خلق أجواء الجمال المناسبة لاستقبال الضيوف.

يأخذنا القصر إلى عالم الفخامة والرفاهية إلى عصور اشتهرت بفنونها الرائعة وماتتضمنه من أصول فنية عريقة، تعتمد على مخيلة مبدعين وفنيين مهرة، بذلوا الجهد والوقت لإنتاج تحفة فنية، ليبدو القصر قلعة من الأفكار المبتكرة يبدو فيه التنوع واضحاً، حيث اتسعت الأفكار لتشمل كل الطراز وغيرها من عصور الإبداع، فقاعة العرش عبارة عن ميدان فسيح به قاعة عربية الطراز ارضيتها من الباركيه، ولها باب يفصلها عن قاعة اخرى هي قاعة الحرملك، ومن قاعة العرش أيضاً يبدأ ممر طويل يقود إلى جناح الملك المفروش بأفخر انواع السجاد، ويتكون الجناح من عدة غرف إحداها مكتب واخرى صالون، ثم حجرة النوم والحمام وجناحا الملكة والملكة الأم نازلي، وهناك أيضاً جناح الضيوف الأجانب، وكل هذه الاجنحة أقيمت بالدور العلوى من القصر .

أما الدور الأرضي فيضم حديقة القصر وصيدلية، والمطبعة الملكية السابقة وادارتها، كما يضم مكتباً للملك فاروق، ويضم كذلك ورشة المكوجية.

ويحتوي قصر عابدين على قاعات وصالونات تتميز بلون جدرانها فالصالون الأبيض ‏والأحمر والأخضر، مزجت بجرأة بين ألوانها وزينة جدرانها النقوش الملونة ووحدات من الخشب الداكن الذي تناغم مع أرضيات الباركيه، تستخدم في استقبال الوفود الرسمية أثناء زيارتها لمصر، إضافة إلى ‏مكتبة القصر التي تحوي على مايقرب من 55 ألف كتاب.

ويوجد بداخل القصر العديد من الأجنحة مثل الجناح البلجيكي الذي صمم لإقامة ‏ضيوف مصر المهمين وسمي كذلك لأن ملك بلجيكا هو أول من أقام فيه ويضم هذا الجناح ‏سريراً يعتبر من التحف النادرة نظراً لما يحتويه من الزخارف والرسومات اليدوية، بالإضافة إلى الستائر التي شكلت عنصر قوة في الديكور يوازي أهمية قطع الأثاث الثابته، ويصعب الإستغناء عنها فهي من جهة تلعب دوراً عملياً في حجب نور الشمس القوي، وتعزل الغرف عن أعين الفضوليين من الخارج، ومن جهة أخرى تشكل متمماً جمالياً لديكور الغرف مما يضفي عليها فخامة وأناقة.

ويضم القصر متحفاً في غاية من الثراء التاريخي حيث كان خلفاء الخديوي ‏إسماعيل الذين حكموا مصر من بعده مولعين بوضع لمساتهم على القصر وعمل الإضافات ‏‏التي تناسب ميول وعصر كل منهم، وقد تم ‏ترميمه ترميماً معمارياً وفنياً شاملاً، وقد شملت هذه الأعمال تطوير وتحديث متحف ‏الأسلحة بإعادة تنسيقه وعرض محتوياته بأحدث أساليب العرض مع إضافة قاعة إلى ‏المتحف خصصت لعرض الأسلحة المختلفة التي تلقاها رؤساء مصر من الجهات الوطنية المختلفة.

أما المتحف الثاني بالقصر خصص لمقتنيات أسرة (محمد علي باشا) من أدوات وأواني ‏من الفضة والكريستال والزجاج الملون وغيرها من التحف والشمعدانات الكريستالية والبرونزية النادرة، وتعتبر التحف واللوحات النادرة التي يضمها القصر من الكنوز، ففيه كمية من التحف واللوحات الفنية الاصلية، لا تقدر بثمن وقد تعاقب على شرائها وجمعها كل الحكام الذين سكنوا القصر.

وكان قصرعابدين قد شهد العديد من الاحداث الساخنة والمؤثرة في تاريخ مصر وكانت نقطة تحول انتهت بثورة يوليو عام1952 ومن أهم الأحداث مظاهرة 9 سبتمبر عام 1881 بقيادة الزعيم أحمد عرابي الذي قدم فيها مطالب الامة والجيش للخديوي توفيق، وطلب كبير الياوران أن يترجل عرابي عن فرسه فرفض، وقال كلمته المأثورة ( لقد خلقنا الله أحراراً ولم يخلقنا تراثاً أو عقارا ) .

كما شهد الميدان المواجه للقصر بدايات ثورة 1919 عندما ملأت الجماهير ميدان عابدين مطالبة الملك فؤاد بالإفراج عن سعد زغلول ورفاقه وعودتهم من المنفى.

وحادث 4 فبراير 1942 حين أصر السفير البريطاني على تولي مصطفى النحاس رئاسة الوزراء، لدرجة أنه وجه إنذاراً للملك فاروق بعزله عن الحكم إن لم يعينه قبل السادسة مساءاً، وتقدمت الدبابات البريطانية وقابل السفير البريطاني الملك فاروق وخيره بين تولي النحاس الوزارة أو التنازل عن العرش، فما كان من فاروق إلا أن قام بتعيين النحاس رئيساً للوزراء .
ومن الاحداث المهمة والساخنة كذلك في تاريخ مصر التي شهدها القصر، هي أزمة مارس التي نشبت بين محمد نجيب وجمال عبدالناصر عام 1954 بعد قيام الثورة، حيث شهد هذا العام تقديم محمد نجيب استقالته في 25 فبراير، ولما تراجع عنها عاد للقصر،
بعدها خفت الأضواء قليلاً عن قصر عابدين، حيث لم يرغب الزعيم جمال عبد الناصر وهو يتحدث عن العدالة الاجتماعية والمساواة ومبادىء الاشتراكية أن يسكن القصر، ففضل أن يسكن في بيته في منطقة منشية البكري، ففتحت الدولة القصر أمام الشعب، كما احتلت الهيئة العامة للإصلاح الزراعي جزءاً من القصر، ووزارة الإرشاد القومي "الإعلام" جزءاً آخر، وظل الأمر هكذا طوال عهد الرئيس الراحل عبد الناصر، وفي عهد الرئيس السادات استعمل جزءاً من القصر لمباشرة مهامه، ثم في عهد الرئيس السابق مبارك، تحولت جميع القصور الملكية قصوراً للرئاسة.

ورغم كل المقومات الفنية والمعمارية والتاريخية للقصر فإن يد الاهمال قد طالته في بعض السنوات، وفي أواخر عهد السادات بدىء الاعتناء بالقصور، ومنها قصر عابدين بإعادة القصور لما كانت عليه من رونق وجمال بصفتها من كنوز مصر، وبالفعل تم تجديد قصر عابدين واعادته إلى ما كان عليه بقدر الامكان، كما تم تجديد وترميم المتاحف الموجودة به لاهميتها التاريخية والاثرية، منها متحف الملك فؤاد والعائلة المالكة ويضم كل هدايا ومقتنيات الاسرة الحاكمة من فضيات وكريستالات وصيني، بالاضافة إلى وثائق اثرية من عهد محمد علي حتى فاروق .

كما تم ترميم متحف الاسلحة ومتحف الاوسمة والنياشين واعادتها إلى ما كانت عليه، وتم فتح كل هذه المتاحف للجمهور والسائحين.

وظل القصر محتفظاً بإسمه القديم عابدين لدى العامة الذين أطلقوا الاسم على الميدان والحي بأكمله، وعلى الرغم من قيام حكومة ثورة يوليو بتغيير اسم القصر والميدان إلى قصر وميدان الجمهورية إلا أن الناس ظلت تردد اسمه، ويعد قصر عابدين تحفة ‏تاريخية نادرة تستحق أن تتوجه مع أسرتك لتتمتع بكل ما يحتويه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق